ما بعد الدراما في السينما والتلفزيون

بقلم: نائل الجرابعة

اختفى السيناريو... وبقي العرض يتحرك من تلقائه 

ما بعد الدراما ليست ضد الدراما فقط، بل ضد وهم النص نفسه.السينما التي تبنّت هذه الرؤية لم تأتِ لتحكي قصة، بل لتخلق حدثًا بصريًا حيًّا، لحظة تولد أمامك لا تُعاد.الدراما التقليدية تقول: 

"هكذا تسير الحكاية." 

أما ما بعد الدراما فتقول: 

"ليس هناك حكاية... بل تدفّق، تجربة، ومواجهة حسّية."

ما بعد الدراما في السينما


" الضوء نصًّا، والجسد هو الحوار" 

في

 Koyaanisqatsi   -  1982 -  

–  لا حوار، لا شخصيات، لا حبكة. فقط موسيقى وصورة. كأن الفيلم طقس كوني، لا فيلمًا روائيًا. 

في

 The Tree of Life – 

 يبدأ من خلق العالم ولا ينتهي. الأم تحلق، الزمن يذوب، والذكريات تُصوّر كما لو كانت جسدًا يتنفس. الصوت لا يشرح، بل يُنصت.

 في

 Woyzeck – 

 النسخة التجريبية من فيلم هيرتزوغ، الشخصية لا تتطور، بل تتآكل أمامنا. لا توجد بنية سردية تقليدية، بل أداء مشحون يُعاد تدويره بصمت وتكرار.

في الدراما التلفزيونية "

 المشهد تجربة تأمل لا حدثًا يُتابَع" 

Scenes from a Marriage   -    -  HBO           

 النسخة الحديثة  الممثلون يكررون العبارات، اللقطات تطول بلا سبب، الجمهور يُركّز على ارتباك الأداء لا تسلسل القصة. 


Euphoria         

-  بعض حلقاته الخاصة - : لا يُروى شيء تقريبًا، بل نشاهد الممثلة تبكي، تتأمل، تتنفس… والعدسة تُقرّب ملامحها حتى يتبخر المعنى. 


Atlanta –   

    في حلقات كثيرة: تُلغى الحبكة كليًا، وتُستبدل بمواقف رمزية، هلوسات بصرية، أو حتى وثائقيات زائفة. لا عودة للنقطة الأصلية، فقط شرود دائم.

أمثلة من السينما والتلفزيون ضمن مدرسة ما بعد الدراما

بعد الدراما في السينما الفنية والأداء المفتوح 

 1-  Dogville – 2003 

  • المخرج: لارس فون ترير K  البلد: الدنمارك
  • التيار: ما بعد الدراما / المسرح داخل السينما
  • السمات: غياب الديكور، خشبة مسرح مرسومة، السرد كخلفية، أداء تقشفي، تفاعل المتلقي مع الفراغ أكثر من الحدث.

 2- Jeanne Dielman, 23 quai du Commerce, 1080 Bruxelles – 1975 

  • المخرجة: شانتال أكرمان ، البلد: بلجيكا
  • السمات: العرض الزمني للرتابة، انعدام الحدث الظاهري، الجسد كطقس مكرر، تحول الملل إلى مأساة دون دراما.

 3-  The Act of Killing – 2012 

  • المخرج: جوشوا أوبنهايمر ، البلد: الدنمارك / النرويج / إندونيسيا
  • النوع: وثائقي–أداءي
  • السمات: القتلة يعيدون تمثيل جرائمهم أمام الكاميرا، الحد الفاصل بين التمثيل والواقع يُمحى، العرض بدل السرد.

 التلفزيون ما بعد الدرامي – التجريب الحسي والمفاهيمي

 4- Euphoria منذ 2019 

  • المخرج: سام ليفينسون
  • المنصة: HBO
  • السمات: الصورة فوق الحدث، أداء تعبيري، المونولوجات كجماليات نفسية، الألوان والموسيقى كأدوات درامية قائمة بذاتها.

 5-  I May Destroy You – 2020 

  • المبدعة: ميكائيلا كويل
  • المنصة HBO / BBC
  • السمات: تشظي السرد، كسر التتابع المنطقي، الأداء كمواجهة، تعدد الاحتمالات، تحوّل الصدمة إلى عرض وجودي.

 ما بعد الدراما في السينما العربية والعالم الثالث

6- يوميات شهرزاد – 2013 

  • المخرجة: زينة دكاش
  • البلد: لبنان
  • النوع: وثائقي مسرحي
  • السمات: عرض مسرحي داخل سجن نسائي، السجينات يروين ذاتهن، تجاوز النص لصالح الأداء الحيّ.

 7-  الفيلم الصامت – محمد ملص   -  أعماله المتأخرة - البلد: سوريا 

  • السمات: غياب الدراما، المشهد كصدى شعري، الحكاية كظل، الكاميرا كأداة تأمل.

 8- القصيدة البصرية – أعمال إيليا سليمان 

  • مثل: "الزمن الباقي" و"يد إلهية"
  • البلد: فلسطين
  • السمات: تجميد الزمن، محو العقدة، الصورة كفعل مستقل، اللقطة الثابتة كأداء.

  نقد التحوّل 

  اتهم البعض هذا الشكل من السينما بأنه "لا يقول شيئًا"، وأنه يستهلك الشكلانية باسم الحداثة، ويُقصي الجمهور العام لصالح قلة تتقن التأويل البصري. 

لكنه في المقابل، حرّر الكاميرا من قيود الحكاية، وأعطى للصمت حقّه، وللصورة سلطة ميتافيزيقية. ما بعد الدراما لا يريد أن يسرد، بل أن يُستشعَر. إنه صوت البصر، وجسد الضوء. يقول لك:


"لا تُحاول أن تفهمني... بل دَعْني أَحدُث."


من كتاب ( ماذا لو حُذفت البرتقالة؟ 

دراسات تطبيقية في النقد المسرحي والسينمائي 

تأليف: نائل الجرابعة )

Comments
* The email will not be published on the website.