الواقعية الجديدة في السينما والتلفزيون

الواقعية الجديدة لم تأتِ لتُعيد الواقع كما هو، بل لتُذكّرنا أن الواقع نفسه مشكوك فيه.في عالم ما بعد الحرب، المتخم بالحطام، فقدت الدراما يقينها القديم: أن الحكاية لها نهاية، وأن الناس يُشبهون أدوارهم.جاءت الواقعية الجديدة لتقول:

"الواقع لا يُروى دفعة واحدة… بل بشظاياه."


الواقعية الجديدة في السينما

لا سيناريو، بل نَفَس حقيقي يتقطّع أمام العدسة"

بقلم:نائل الجرابعة

في 

Bicycle Thieves –  

يضيع درّاج، فيضيع معه العالم. لا بطل، لا تصعيد، فقط رجل وطفله يُطاردان كرامتهما في شوارع روما الرمادية. الكاميرا ترتجف، والممثلون مواطنون، والعالم لا يُلائم الحكاية.

في  

The 400 Blows –  

كل ما يحدث عادي… حتى يُوجع. فتى يهرب من البيت، من المدرسة، من الكبار، حتى يصل إلى البحر. اللقطة الأخيرة: وجهه… لا يقول شيئًا، لكنه يصرخ بكل شيء.

في 

A Separation –  

المحكمة ليست عدالة، والبيت ليس مأوى، والقرار الأخلاقي ليس واضحًا. الواقعية هنا لا تواسي، بل تُربك.

في الدراما التلفزيونية

"حين تُصبح الحياة اليومية مكانًا للإنهيار الهادئ"   

Mare of Easttown –

 البطلة تُدخن أكثر مما تتكلم. الحزن يتسرب من الجدران، والتحقيق ليس عن الجريمة بل عن الفقد الذي يخص الجميع.  

 Rectify –   

لا شيء يحدث فعليًا، فقط رجل خرج من السجن… يحاول أن يتنفس. الحلقات تتكرّر، مثل أيام ما بعد الكارثة.  

  Unorthodox – 

الخروج من الطائفة لا يشبه الخلاص، بل يشبه التأتأة. الأصوات خافتة، الوجوه حقيقية، والكاميرا تقترب حتى نرى الفقد في الملامح.

ما الذي أخذته السينما والتلفزيون من الواقعية الجديدة؟ 


المسرح الواقعي الجديدالسينما والتلفزيون الواقعي الجديد
الحدث العادي = دراماالمشاهد اليومية تُعرض دون تضخيم
الشخصية المتشظيةالشخصية لا تُفهم ولا تكتمل
اللغة مرتبكة، عادية، غير بلاغيةالحوارات هامسة، متقطعة، بطيئة
غياب الحبكة الكبرىالسرد متذرر، لا بداية أو نهاية واضحة
الزمن = حاضر ممتدلا تسارع، فقط عبور داخلي بطيء للوقت

  

 أمثلة من السينما والتلفزيون ضمن الواقعية الجديدة الواقعية الجديدة في السينما الأوروبية

1-  Rosetta – 1999 

  • المخرجان: جان بيير داردين / لوك داردين ، البلد: بلجيكا
  • التيار: الواقعية البلجيكية الجديدة
  • السمات: كاميرا محمولة، متابعة لصيقة بالبطل، توتر يومي، لا موسيقى تصويرية، سرد مأزوم بلا انفراجات.

 2- The Son   -  Le Fils -  – 2002 

  • المخرجان: الأخوان داردين ، البلد: بلجيكا
  • السمات: واقعية صامتة، الشخصيات كأجساد عاملة، الحدث كخلفية للمعنى، الأداء الطبيعي.

 الواقعية الجديدة في التلفزيون – نمط المايكرو–دراما 

3-  Sorry We Missed You – 2019 

  • المخرج: كين لوتش ، البلد: بريطانيا
  • المنصة: عرض سينمائي وتلفزيوني مشترك
  • السمات: النقد الرأسمالي، الانهيار الأسري من الداخل، عدم وجود ذروة درامية، استبطان القهر في التفاصيل اليومية.

الواقعية الجديدة في السينما العربية والعالم الثالث

 4 - وجدة – 2012 

  • المخرجة: هيفاء المنصور ، البلد: السعودية            
  • السمات: يوميات طفلة، دراما صامتة، الواقع كمكان معزول، السرد البسيط كتمرد ناعم، واقعية مُفلترة شعريًا.

5- كفر ناحوم – 2018 

  • المخرجة: نادين لبكي ، البلد: لبنان
  • السمات: الطفل كبطل معاصر، الكاميرا كعين مراقِبة، لا بطل خارق، الحكاية كسيرة ذاتية جمعية.

 7- طعم الكرز – 1997 

  • المخرج: عباس كيارستمي لا، البلد: إيران
  • السمات: رجل يبحث عمّن يدفنه بعد انتحاره، الطريق كحكاية، الواقعية النفسية، لا حدث حاسم.

 التحوّل 

اتهمت الواقعية الجديدة بأنها تُغرق الجمهور في الرتابة، وتُقصي التوتر لصالح التأمل، وأنها تُجمّل البؤس بتصويره... كأنها لا ترفض القبح، بل تؤرخه فقط. لكن المدافعين عنها يرون فيها أقرب مرآة لما نعيشه فعلًا: لحياة لا تنتهي بنهاية…      

      لحزن لا يُفسّر، فقط يُعاش. الواقعية الجديدة لا تقول لك "انتبه"، بل تهمس لك:  

             "هذه ليست قصة… هذه أنت."

من كتاب ( ماذا لو حُذفت البرتقالة؟

دراسات تطبيقية في النقد السينمائي والمسرحي 

تأليف: نائل الجرابعة)


Comments
* The email will not be published on the website.